الصراع على الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا يحتد بين القوى الكردية | | صحيفة العرب
Source: صحيفة العرب
Author: Al Arab العرب
الحسكة (سوريا) - تشهد العلاقة بين حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني والمجلس الوطني الكردي توترا متصاعدا في الفترة الأخيرة، ينذر بأزمة جديدة في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا.
وتقول أوساط سياسية كردية إن التوتر المستجد له جذور تاريخية، حيث أن الاتحاد الديمقراطي والأحزاب الممثلة داخل المجلس الوطني يقفان على طرفي نقيض أيديولوجيا وسياسيا.
وتشير الأوساط إلى أن الاتحاد الديمقراطي الذي نجح في فرض قبضته بشكل تام على مناطق سيطرة الإدارة الذاتية من خلال ذراعه العسكرية وحدات حماية الشعب، يريد اعترافا من القوى السياسية الكردية بتلك الهيمنة، والعمل تحت مظلتها، وهو ما يرفضه المجلس الوطني الذي يصر على تقاسم إدارة تلك المناطق.
وترى الأوساط أن الخلافات المتصاعدة بين القوى الكردية من شأنها أن تهدد مشروع الإدارة الذاتية، كما أنها تفسح المجال للمزيد من تدخل القوى الخارجية المعادية للمشروع، وفي مقدمتها تركيا.
وأمهلت قوات سوريا الديمقراطية، التي تعرف بقسد وتشكل وحدات حماية الشعب عمودها الفقري، المجلس الوطني والأحزاب المنضوية داخله أسبوعا من أجل تصحيح أوضاعهما القانونية أو سيتم إغلاق مقراتهما بشكل نهائي.
ويضم المجلس الوطني الذي تشكل في العام 2011 سبعة عشر حزبا، إلى جانب منظمات وتنسيقيات واتحادات شبابية ونسائية، فضلا عن شخصيات مستقلة. ويوجد للمجلس جناح عسكري مكون من نحو سبعة آلاف عنصر، يطلق عليهم اسم قوات بيشمركة (روج)، ولهم مراكز وقواعد منتشرة في إقليم كردستان العراق في المناطق القريبة من الحدود السورية.
وقال مصدر من المجلس الوطني إنّ "استخبارات قسد استدعت مسؤولين في المجلس، الأحد، وهدّدتهم بإغلاق مقارهم، يوم السبت المقبل، في حال عدم ترخيص أحزاب المجلس ومكاتبه".
ونقل موقع "تلفزيون سوريا" عن المصدر تأكيده أنّ المجلس "يرفض قطعا ترخيص نشاطه السياسي ومكاتبه لدى سلطة حزب الاتحاد الديمقراطي، كونها سلطة أمر واقع غير شرعية، فرضت نفسها بقوة السلاح، وأنّ موقف المجلس ثابت في هذا الأمر".
ومن المنتظر أن يعقد المجلس الوطني اجتماعا استثنائيا لاتخاذ موقف من تصعيد قسد الجديد بحق المجلس ونشاطه السياسي في مناطق شمال شرقي سوريا.
وأشار المصدر إلى أنّ رئيس المجلس الوطني الكردي سيوجّه رسالة رسمية إلى ممثل الخارجية الأميركية في مناطق شمال شرقي سوريا توضح تهديدات قوات سوريا الديمقراطية الجديدة بإغلاق مقاره وضرورة تدخل واشنطن لوقف هذه الانتهاكات.
وكانت لجنة شؤون الأحزاب في الإدارة الذاتية التي يسيطر عليها الاتحاد الديمقراطي، وجهت في السابع من مارس الماضي قرارا بـ"إعطاء مهلة لغاية 1 - 4 - 2024 لجميع الأحزاب والقوى السياسية التي تمارس نشاطها من غير ترخيص، من أجل تقديم طلب ترخيص لدى اللجنة"، مهدّدة باتخاذ الإجراءات القانونية بحق الأحزاب المخالفة.
وسبق أن سمحت لجنة شؤون الأحزاب للقوى غير المرخّصة، مثل المجلس الوطني الكردي، بفتح مكاتبها وفق قرار صدر بتاريخ 5 - 1 - 2019، وأعلنت حينذاك أنّ ذلك جاء لـ"تهدئة الظروف والمساحات للحوار الكردي - الكردي، وتوحيد الموقف الوطني تجاه القضايا كافّة".
ويرى مراقبون أن تصعيد الاتحاد الوطني كان متوقعا، لاسيما بعد فشل الحوار الذي انطلق بين الجانبين في العام 2019، وتراجع التركيز الأميركي على الشأن الداخلي في مناطق الإدارة الذاتية.
وجاءت المهلة التي قدمتها قسد إلى المجلس الوطني بعد نحو شهر من إقدام ملثمين على استهداف مقار للمجلس، الذي سارع إلى توجيه اتهامات مباشرة "للشبيبة الثورية"، المعروفة محليا باسم "جوانن شورشكر"، والتابعة للاتحاد الديمقراطي.
ونجح الاتحاد الديمقراطي وذراعه العسكرية وحدات حماية الشعب في استغلال الأزمة السورية من أجل تحقيق طموح إقامة ما يشبه حكما ذاتيا في المناطق ذات الغالبية الكردية.
في المقابل فضلت بقية الأحزاب الكردية الانضواء تحت مظلة المعارضة السورية، الممثلة في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والذي بات خلال السنوات الأخيرة رهين أجندة تركيا، الخصم اللدود للاتحاد، والتي تعتبره امتدادا لحزب العمال الكردستاني.
ويرى المراقبون أن الأمور في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية تتجه نحو الأسوأ، لاسيما وأن الاتحاد الديمقراطي يصر على فرض سيطرته، ويرى في القوى المشكلة للمجلس الوطني تهديدا لنفوذه وأداة تخدم أجندة القوى المعادية (تركيا).
ويستدرك المراقبون بالقول إن الموقف الأميركي سيكون حاسما لجهة منع خروج الأوضاع عن السيطرة، خاصة وأن الولايات المتحدة مازالت تولي هذه البقعة الجغرافية داخل سوريا أهمية بالغة في سياق الدفاع عن مصالحها.
وفي مارس الماضي حذرت وزارة الخارجية الأميركية قوات سوريا الديمقراطية من مغبة أي تصعيد ضد المجلس الوطني.
وقالت السفارة الأميركية بسوريا في تغريدة عبر حسابها على منصة إكس "نشعر بالقلق إزاء التقارير المستمرة عن الهجمات على مكاتب المجلس الوطني الكردي في شمالي سوريا، وندعو بشكل عاجل إلى وقف هذه الهجمات".
وجاء موقف السفارة الأميركية بعد بيان غاضب للمجلس الوطني الكردي، على خلفية مهاجمة مقار له.
وقال المجلس في بيانه إن "هذه الهجمات تتنافى مع أبسط الأعراف والقواعد والقيم الإنسانية ومبادئ حقوق الإنسان". كما دعا "التحالفَ الدولي وأميركا للوقوف أمام مسؤولياتهما بالضغط على وحدات حماية الشعب لردعها والكف عن مثل هذه الأعمال الترهيبية، والتي تخلق المزيد من القلق والاستياء لدى أبناء المنطقة".