دعتها لاجتماع جديد.. هل تنجح مصر في التوفيق بين القوى السودانية؟
Source: Aljazeera
Author: مزدلفة عثمان
الخرطوم- ترتب الحكومة المصرية لاستضافة مؤتمر للقوى السياسية السودانية في نهاية يونيو/حزيران المقبل، حسبما أعلنت وزارة الخارجية الثلاثاء، وهي الخطوة الثانية من نوعها خلال أقل من شهر في سياق مساعي القاهرة للإسهام في إنهاء الأزمة السودانية.
ففي الأسبوع الأول من مايو/أيار الجاري، استضافت مصر مؤتمرا شاركت فيه 8 كتل سياسية سودانية كبرى، تضم تحت لافتتها أكثر من 50 تنظيما سياسيا وحركات مسلحة وتجمعات مهنية ودينية، توج بالتوقيع على ما أطلق عليه "الميثاق الوطني"، تضمن رؤية تأطيرية لشكل الحكم، ونادى بتوحيد القوى السياسية في كيان واحد، يقدم بدوره خريطة طريق لحل شامل.
وتزامنت الدعوة المصرية هذه مع اجتماعات لتنسيقية تحالف القوى المدنية "تقدم" في أديس أبابا، شارك فيها نحو 600 ممثل لتنظيمات سياسية وواجهات مدنية ونقابية ومهنية، ولم يشارك التحالف في الاجتماع السابق في القاهرة، وسط اتهامات له بموالاة قوات الدعم السريع، التي تقاتل الجيش في الخرطوم وعدد من ولايات السودان الغربية.
برزت القاهرة بشكل لافت في الأزمة السودانية مؤخرا، ومالت باتجاه إجراء ترتيبات لمعالجة الأزمة السياسية، بينما كانت جدة تستضيف مفاوضات لوقف إطلاق النار بين طرفي النزاع، الجيش والدعم السريع.
وحاولت الحكومة المصرية تجميع خيوط السياسة باستضافة اجتماع لقوى إعلان الحرية والتغيير-المجلس المركزي، ثم تلاها زيارة رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك للقاهرة في مارس/آذار الماضي، حيث عقد اجتماعات مع الفاعلين المصريين، ركزت على كيفية المساهمة في وقف الحرب.
وسبق هذا الاجتماع لقاء رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أواخر فبراير/شباط الماضي، حيث عرض فيه البرهان رؤيته لإنهاء الحرب واستدامة السلام والاستقرار في بلاده.
وفي 13 يوليو/تموز 2023، استضافت القاهرة مؤتمرا لدول جوار السودان، حث على ضرورة إنهاء الحرب والاحترام الكامل لسيادة السودان ووحدته، ووقف تدخل الأطراف الخارجية إلى جانب الحفاظ على الدولة السودانية، كما احتضنت القاهرة مؤتمر القضايا الإنسانية في السودان في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وشملت توصياته مجالات متعلقة بالجوانب الإنسانية والإغاثية.
حددت الخارجية المصرية نهاية يونيو/حزيران القادم موعدا لعقد مؤتمر يضم كافة القوى السياسية المدنية السودانية، وقالت في بيان إن المؤتمر سيحضره كافة الشركاء الإقليميين والدوليين المعنيين، بهدف التوصل إلى توافق بين مختلف القوى السياسية المدنية السودانية، حول سبل بناء السلام الشامل والدائم في السودان، عبر حوار وطني سوداني-سوداني.
وتأتي الدعوة المصرية -وفقا للبيان- انطلاقا من إيمان راسخ بأن النزاع الراهن في السودان هو قضية سودانية بالأساس، وأن أي عملية سياسية مستقبلية ينبغي أن تشمل كافة الأطراف الوطنية الفاعلة، وفي إطار احترام مبادئ سيادة السودان ووحدة وسلامة أراضيه، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، والحفاظ على الدولة ومؤسساتها.
كما أفاد البيان بأن مصر ستنظم هذا المؤتمر استكمالا لجهودها ومساعيها المستمرة من أجل وقف الحرب الدائرة، وضمن إطار من التعاون والتكامل مع جهود الشركاء الإقليميين والدوليين، لاسيما دول جوار السودان، وأطراف مباحثات جدة، والأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، وجامعة الدول العربية، ومنظمة "إيغاد".
كما تتطلع القاهرة إلى المشاركة الفعالة من جانب كافة القوى السياسية المدنية السودانية، والشركاء الإقليميين والدوليين المعنيين، وتكاتف الجهود من أجل ضمان نجاح المؤتمر في تحقيق تطلعات الشعب السوداني.
يقول القيادي في تنسيقية القوى المدنية والأمين العام لحزب الأمة الواثق البرير للجزيرة نت إنهم لم يتلقوا حتى الآن دعوة رسمية من القاهرة بشأن الاجتماع المرتقب، وإنهم سمعوا به من الإعلام فقط، ومع ذلك يشير إلى ترحيبهم بكل المساعي والمبادرات التي ترمي لحل الأزمة السودانية وإيقاف الحرب.
وأضاف البرير أنهم يحتاجون لمعرفة التفاصيل، ومن ثم تقييم شكل الاجتماع ومن هي أطرافه والقضايا التي ستطرح فيه، لكنهم من حيث المبدأ "يدعمون كل المبادرات التي تهدف لإيقاف الحرب وإقرار التحول المدني الديمقراطي".
ويضم تحالف "تقدم" كتلا فاعلة في الساحة السياسية، على رأسها حزب الأمة القومي والمؤتمر السوداني والجبهة الثورية، وعددا من الحركات المسلحة والواجهات المدنية، وتتفق جميعها في وجوب عزل عناصر النظام السابق من أي مساعٍ مستقبلية للحل، بينما تتحدث الكتل المؤيدة للجيش والتي اجتمعت في القاهرة مؤخرا عن ضرورة إسهام كل القوى السودانية في الحل دون عزل أي طرف.
رحبت الخارجية السودانية بالدعوة المصرية لعقد المؤتمر، معتبرة أن مصر وقيادتها الأحرص على أمن وسلام واستقرار السودان، إلا أنها دعت لاستصحاب جملة من الرؤى لضمان نجاح المؤتمر، من بينها وجود تمثيل حقيقي للغالبية الصامتة من الشعب السوداني، "ممن سفكت دماؤهم وانتهكت أعراضهم ونهبت ممتلكاتهم وهجروا قسريا"، والذين تعبر عنهم المقاومة الشعبية.
ودعت الخارجية في بيانها كذلك لتوضيح من هم الشركاء الإقليميون والدوليون الذين سيحضرون المؤتمر، وما هي حدود دورهم، خاصة أن المؤتمر يقصد منه الوصول لرؤية سودانية خالصة.
وشددت على أنه لن يكون مقبولا للشعب السوداني أن يحضر المؤتمر من وصفتهم بـ"رعاة مليشيا الدعم السريع الإرهابية، الذين يواصلون إمدادها بالأسلحة الفتاكة، لقتل الأبرياء وانتهاك الأعراض، وتدمير البنيات الأساسية للبلاد".
كما رفضت الخارجية مشاركة دول الجوار التي أشار إليها تقرير خبراء مجلس الأمن أنها شريكة في تمرير وعبور رحلات السلاح، من دولة الإمارات وصولا إلى تشاد، من خلال مطار أم جرس الذي هُيئ لدخول ھذه الإمدادات، ومنھا إلى دارفور.
وتحدث بيان الخارجية عن عدم قبول تمثيل أي منظمة إقليمية أو دولية سكتت عن إدانة الدعم السريع وانتهاكاتها الجسيمة للقانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان في جوانبھا المتعددة، ولو بصفة مراقب.
كما تمسك البيان بعدم مشاركة الاتحاد الأفريقي و"إيغاد"، ما لم يسبق ذلك بدء خطوات فعلية لرفع تجميد نشاط السودان بالمنظمة القارية، وأن تصحح المنظمة موقفها الذي ينتهك سيادة السودان، حتى تكون محل ثقة الشعب السوداني، بما يمكنها من حضور مؤتمر كهذا.
يعتقد حاتم السر علي المستشار السياسي لرئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي أن الدور المصري لا يمكن الاستغناء عنه لحل الأزمة في السودان، ويقول للجزيرة نت إن الجديد في الاجتماع المرتقب هو انتقال مصر من مرحلة التعامل مع القوى السودانية بالتجزئة إلى مرحلة التعامل معها بالجملة، بعد أن خلقت أرضية مشتركة للتعامل مع القضية السودانية.
ويشير إلى أن مصر استبقت إطلاق دعوتها بالتواصل مع كل أطراف الحركة السياسية السودانية، وحصلت منها على موافقات مبدئية بالمشاركة.
ويلفت المستشار إلى أن الاجتماع القادم يعد أول محاولة لفتح الباب والتفاهم بين القوى السياسية السودانية، ومنع تحول الخلافات إلى قتال وصراع دامٍ، بعد أن واجهت التكتلات الحزبية حالة من الاستقطاب الحاد، ولم يسبق لها الجلوس للتحاور حول الثوابت الوطنية وتحديد الأولويات والاتفاق على رؤية مشتركة.
ويضيف أن ملتقى القاهرة يشكل "بارقة أمل" للخروج من حالة الانقسام وانسداد الأفق السياسي، وحالة الاستقطاب الحاد بين القوى السياسية السودانية التي تعيشها البلاد حاليا، والتي تعتبر الحرب أحد إفرازاتها الخطيرة، و"لهذا السبب فإن مفتاح النجاح لحل الأزمة السودانية سياسي بامتياز".
يتوقع القيادي في الكتلة الديمقراطية مبارك أردول أن يكون اجتماع القاهرة المقبل "حدثا كبيرا"، بالنظر إلى الدور المحوري الذي تلعبه مصر في المنطقة والإقليم، مؤكدا للجزيرة نت مشاركتهم في جلساته.
ويشير أردول إلى أن مصر كانت قد دعت لاجتماع مشابه قبل الحرب، لكن "بعض الجهات" رفضته وعملت على عرقلته، مبديا اعتقاده أن تلك الجهات، التي لم يحددها، لن يكون موقفها الحالي مشابها للسابق، في ظل حاجة السودانيين لحوار شامل يضم كل الأطراف.
ويعدد المستشار السياسي حاتم السر فرص نجاح المبادرة المصرية الجديدة، من بينها تهيئة القاهرة منذ وقت مبكر للبيئة الملائمة التي تسبق جلوس الأطراف، لضمان نجاح المبادرة وتفاديا لأي سوء فهم أو تقاطعات، وتجنبا لمصير مبادرات سابقة، قال إنها "ماتت في مهدها".
وأضاف أن توازن مصر في التعاطي مع الأزمة السودانية جعلها تتميز عن الآخرين، كما أن الاتصالات والتحركات الدبلوماسية والسياسية التي قامت بها مع كل الاطراف استباقا لعقد الملتقى تمهد لضمان النجاح.